أبو العتاهية شاعر الزهد
سيرته الذاتية
هو
إسماعيل بن القاسم بن سويد بن كيسان ، مولى عنزة ، كنيته أبو أسحاق ، ولقبه أبو
العتاهية .[1]
ولد أبو العتاهية عام 130هـ / 748م . قد
ولد أبو العتاهية في " عين تمر"
القريبة من الكوفة ، و تدل الأخبار على أن نشأته كانت بالكوفة ، وليس بمسقط
رأسه ، وقد كان نسبه في الموالي وولاؤه من جهة أبيه لعنزة ، من جهة أمه في بني
زهرة ، وهناك من قال أن أبا العتاهية من
الأنباط ، لان جده الثاني كيساني من أهل "عين تمر" ، يذكر ياقوت الحموي
: أنها بلدة قريبة من الأنبار غربي الكوفة ، تقع في المنطقة الأرامية التي كان ينزلها
الأنباط .[2]
باستثناء رواية صاحب الأغاني الذي يقول
فيها " الكوفة هي بلده وبلد آبائه ، بها مولده ومنشؤه وباديته " .[3]
كان أبو العتاهية دقيق العظم ، قليل اللحم ، أبيض اللون ، أسود الشعر ، له
هيئة حسنة ولباقة وحفاصة . [4]
إن رهافة حسه سببت له الضعف في صحته و
الرقة في تكوينه الجسدي ، روى أبو الفرج الأصفهاني عن محمد بن موسى قال : "
كان أبو العتاهية قضيفاً أي دقيق العظم قليل اللحم ، أبيض اللون ، أسود الشعر ، له
وفرة الجعدة ، هيئة حسنة ولباقة وحفاصة ".[5]
ووصفه المسعودي فقال : " وكان أبو
العتاهية مليح الوجه ، مليح الحركات ، حلو الإنشاد شديد الطرب " .[6]
واضح في أخبار أبي العتاهية أنه رزق رهافة الحس منذ صغره ، وانه
وجد في نفسه غزارة الطبع التي تمكنه من نظم الشعر ، يقول صاحب عنه صاحب الأغاني :
" انه كان ذا لباقة وحفاصة ، وكان هو من يعرف موهبته ويعتد بها ، فقد متل عن
نفسه فقال : انا جرار القوافي ، و اخي جرار التجارة ".[7]
صنعته:
كان أبو العتاهية و أهله يعملون الجرار
الخضر ، ويبدو أنه يرع في عمل الخزف
والفخار ، مما حدا بالناس على اختلاف طبقاتهم الذهاب إلى مكان عمله لسماع أشعاره ،
يقول صاحب الأغاني : كان أبو العتاهية جراراً يأتيه الأحداث المتأدبون فينشدهم
أشعاره ، فيأخذون ما تكسر من الخزف
فيكتبونها عليها .[8]
سبب تلقيبه بأبي العتاهية :
هو أنا المهدي قال له يوماً : أنت أنسان متحذلق مُعته ، فغلبت عليه ،
وسارت له في الناس . وقيل : كني بأبي العتاهية أنه كان يحب الشهرة والمجون و
التعته . أما ابن المنظور فيقول : وأبو العتاهية كنية . وأبو العتاهية الشاعر
المعروف ، ذكر انه كان له ولد ، يقال له عتاهية .
إن بعض الشعراء يرونها كنية وعلى هذا الأساس هجاه أبو قابوس النصراني
فقال :
قـــل لــلمكني نــــفسه مــتــخــيراً بــعــتــاهــيــة
والــمـرسل الـكــلـم القبيـ ـح وعــته أذن واعــية
أن كــنـت ســراً سـؤتـنـي أو كــان ذاك عــلانــية
فـعـلـيك لـعـنـة ذي الـجـلا ل و أم زيــد زانــيـة [9]
إن البيئة التي كان يحياها أبو العتاهية في الكوفة ، فرضت عليه
اختلاطه بالمجان من الشعراء ، أمثال المطيع بن إياس ، ودفعت به إلى حلقات العلماء
في مساجد الكوفي .[10]
مما أتاح له إتقان العربية والوقوف على مذاهب أصحاب المقالات ، وهو في
أثناء ذلك يٌكثر من نظم رقائق الغزل ، ومن
الغدو والرواح إلى نوادي القيان والمغنين .[11]
حيــاته :
أخذ أبو العتاهية بعد ذلك في التطلع إلى
حياة أفضل من أجل تحسين وضعه الاجتماعي الأدبي ، فتعاقد مع صاحبه النبطي ابراهيم
الموصلي المغني المعروف على نزولهما إلى بغداد ، وبعد ان نزلوا ، سرعان ما افترقوا
، فأما ابراهيم فبقي لرواج تجارته الغنائية ، و أما أبو العتاهية فنزل الحيرة
لكساد بضاعته الشعرية في بغداد .[12]
فرأى بها نائحة تسمى سعدى كانت مولاة لبني
معن بن زائدة ، وكانت ذات حسن وجمال ، فشغفت قلبه حباً ، وأخذ ينظم فيها شعره ،
غير أنها أعرضت عنه ، وتصدى له مولاها عبد الله بن معن ، ونهاه أن يعرض لها ، فعمد إلى هجائه هجاء مقذعاً ،
فأنزل به عقاباً صارماً إذ ضربه مائة سوط ، توسط بنهم مواليه عنزة ، وكف أبو
العتاهية لسانه .[13]
إن سعدى كانت نائحة ، وكان لها صوت مؤثر
ومثير ، ولكنه لايثير غير الحزن والجزع ، ولا يؤثر بغير الهم والحزن ، ولعلها هي
التي أثرت خياله الباكر ليحسن القول في الموت ، ووجهته إلى مناجاة المقابر ، فقال
: [14]
ما للمقابر لا تجيب إذا دعاهنّ الكئيبُ
حُفرٌ مسقّفه عليـ ـهنّ الجنادل والكثيب
فيهن ولدان وأطفالٌ وشبان وشيب
كم من حبيب لم تكن نفسي بفرقته تطيب
غادرته في بعضهن مجندلاً وهو الحبيب
وسلوتُ عنه وإنما عهدي برؤيته قريب [15]
حُفرٌ مسقّفه عليـ ـهنّ الجنادل والكثيب
فيهن ولدان وأطفالٌ وشبان وشيب
كم من حبيب لم تكن نفسي بفرقته تطيب
غادرته في بعضهن مجندلاً وهو الحبيب
وسلوتُ عنه وإنما عهدي برؤيته قريب [15]
وهذا الفشل المصحوب بالإهانة الفاحشة ،
لابد أنه قد دفعه إلى المزيد من اللهو والعبث ، ليغرق نفسه في لهو ومتاع ينسيه
فشله و إهانته ، ولعل هذا كله كان سبباً في رحيله إلى بغداد ، وهناك ألتقى بحب
جديد وفشل جديد.[16]
عاد أبو العتاهية إلى بغداد في عصر المهدي
، وباشر فيها حياة اللهو والمجانة ، وكان في بيت القراطيسي متسع له ولأمثاله من
الشعراء المجان .[17]
وفي بغداد كان مدحه للخلفاء من المهدي إلى
المأمون ، وكانت قصة حبه مع عتبة ، وما جرت عليه من ويلات.
وعتبة هي جارية الخيزران أم الرشيد زوج
المهدي ، إن أبا العتاهية قدم بغداد مع ثلاثة فتيان ، وليس لهم فيها من مأوى ،
فكانوا يلجأون إلى المسجد الذي يقع بباب الجسر ، وذات يوم مرت بهم امرأة في خدمها
. فقالوا : من هذه ؟ فقيل :
"خالصة" فقال أحد الشبان : أنا أحب "خالصة " وأعشقها ، وقال
فيها شعراً ، وأعانه أصحابه في القول ، ثم مرت امرأة أخرى وسط خدمها . فقالوا :
هذه "عتبة" فقال أبو العتاهية :
أنا أحب عتبة ، وأنا عشقت عتبة ، ثم يحكي
بعد ذلك انا لبست ثياب راهب ، ومضى بالسوق وعتبة في متجر الجواهر ، وطلب أبو
العتاهية وهو في زيه التنكري إلى شيخ من شيوخ الصاغة ان يرغبه في الاسلام ، على يد
هذه المرأة ، فأخذوه أليها قائلين لها : إن الله ساق أليك أجراً ، ونطق الشهادتين
وقبل يدها ، ولم يكن يحتال لغير هذه القبلة .[18]
تقرب أبو العتاهية من الخليفة المهدي ، ومدحه حيث أنه نال أعجاب
الخليفة فأكرمه ، وأعطاه أجزل الجوائز ، وقربه منه ، استغل أبو العتاهية هذه الصلة
، وتلك الحرية في القصر ، حتى اتصل بـ عتبة جارية الخيزران زوجة المهدي ، وأخذا
أبو العتاهية يشبب بها ، ويظهر عشقها ، فشكت الخيزران لزوجها هذا الأمر ، فقال
المهدي : ما يجد هذا الجرار أحداً يعبث بحرمه غيرنا ؟ فأمر بحبسه وضربه مئة ، فشفع
يزيد بن المنصور الحميري خال المهدي لأبي العتاهية ، فرق له المهدي ، وأطلق سراحه
.[19]
والظاهر أنه خاف المهدي
فانقطع عن ذكر الجارية ، ولما مات المهدي عاد امله فطلبها من الرشيد كما روى
المسعودي ولكنه باء بالفشل ، وبين حبه لعتبة ويأسه في الحصول عليها نحو من عشرين
سنة ، بقيت فيها شرارة الحب مشتعلة برغم كل الموانع ، وبرغم انه كان متزوجاً .[20]
وفــاتــه :
أما سنة وفاته فقال المسعودي : " وفي هذه السنة - وهي سنة إحدى عشر ومائتين – مات أبو العتاهية
؛ إسماعيل بن القاسم متنسكاً لابساً الصوف "
حيث انهم اختلفوا المؤرخين في سنة وفاته في اليوم والشهر والسنة ، حيث
أن ابن قتيبة يروي أنه مات سنة 205 هـ ، و أبو الفرج يذكر في رواية أنه مات سنة
209هـ ، ويذكر في أخرى عن ابنه محمد انه مات سنة 210 هـ .[21]
وقيل إن أبا العتاهية عاش إلى زمن المأمون ، ومدحه في بعض الأبيات
رواها الأغاني ونال بره . ومات في عهد خلافته ، ودفن حيال قنطرة الزياتين في
الجانب الغربي من بغداد .[22]
وكان أبو العتاهية قد أمر أن يكتب على قبره
.
أُذْنَ حَيُّ
تَسَمَّعِي اسْمَعِي ثُمّ عِي
وعِي
أنا رَهْنٌ
بِمَضْجَعِي فَاحذَرِي مِثْلَ
مَصْرَعِي
عِشْتُ
تسعينَ حِجَّةً أَسْلِمَتْني
لمَضْجَعي
كَمْ ترى
الحيَّ ثابتاً في دِيَارِ
التزَعْزُعِ
ليس زادٌ سوى
التُّقى فخُذِي منه أوْ دَعِي [23]
[2] الشعر العباسي تطوره وقيمه
الفنية ، د. محمد أبو الأنوار ، دار المعارف ، القاهرة – مصر ، الطبعة الثانية ،
1987م ، ص203
[3] أبو العتاهية حياته وأغراضه
الشعرية ، د. أحمد محمد عليان ، دار الكتاب العلمية ، بيروت- لبنان ، الطبعة
الأولى ، 1991م-1411هـ ، ص62
[4] أبو العتاهية ، هاشم صالح
مناع ، ص8
[5] كتاب الأغاني ،لأبوي الفرج
الأصفهاني ، دار الكتاب المصرية ، القاهرة-مصر ، الطبعة الثانية ، 1950م-1369هـ ،
ج4/ص8
[7] الشعر العباسي تطوره وقيمه
الفنية ، ص205
[9] أبو العتاهية حياته وأغراضه
الشعرية ، ص65
[10] أبو العتاهية ، هاشم صالح
مناع ، ص9
[11] تاريخ الأدب العربي في العصر
العباسي الاول ، شوقي ضيف ، دار المعارف ، القاهرة مصر ، الطبعة الثامنة ، 1966م ،
ص238
[12] أبو العتاهية ، هاشم صالح
مناع ، ص10
[13] تاريخ الأدب العربي في العصر
العباسي الاول ، ص 238
[14] الشعر العباسي تطوره وقيمه
الفنية ، ص218
[15] ديوان أبي العتاهية ، دار
بيروت للطباعة والنشر ، بيروت-لبنان ، 1986م-1406هـ ، ص48
[16] الشعر العباسي تطوره وقيمه
الفنية ، ص219
[17] المرجع نفسه ، ص221
[18] المرجع السابق ، ص221
[19] أبو العتاهية ، هاشم صالح
مناع ، ص10
[20] أمراء الشعر في العصر العباسي
، أنيس المقدسي ، دار العلم للملايين ، بيروت-لبنان ، الطبعة السابعة عشر ، 1989م
، ص154
[21] أبو العتاهية حياته وأغراضه
الشعرية ، ص92
[22] ديوان أبي العتاهية ، ص10
[23] أبو العتاهية ، هاشم صالح
مناع ، ص26
تعليقات
إرسال تعليق